نصرة الرسول

بداية الهجرة الى يثرب



رغم كل التكتم الذي اتبعه الرسول وأهل يثرب، الا ان قريش علمت بهذه البيعة، وعزمت على القاء القبض على المبايعين، ولكن القوم حزموا امرهم وعجّلوا بالخروج من مكّة، ولم يُمسكوا الا بشخص واحد منهم.

وبعد مغادرة افراد تلك المجموعة مكّة واطلاع قريش على ان الرسول وجد له انصاراً وحماة، اشتدت عليهم قريش عند ذاك وازدادوا في تعذيبهم بقصد ان يفتنوهم ويردّوهم عن دينهم، حتى مرّت عليهم فتنة اخرى كالفتنة التي اضطرتهم للهجرة الى الحبشة[1].

وعلى اثر ذلك أذن الرسول للمسلمين بالهجرة الى المدينة وقال لهم:

>ان الله عز وجل قد جعل لكم اخواناً وداراً تأمنون بها<.

واخذ المسلمون يتوجهون الى يثرب تدريجياً على مدى شهرين ونصف (من منتصف ذي الحجة الى آخر صفر)[2]رغم كل المشاكل والعراقيل التي وضعتها قريش أمامهم. ولم يبق من المسلمين في مكّة سوى النبي وعلي وابو بكر وبضعة اشخاص آخرين. وفي تاريخ الإسلام سُمّي من هاجروا من مكّة الى يثرب>المهاجرون<، وسُمّي مسلمو يثرب الذين نصروا الرسول باسم>الانصار<.

مؤامرة لقتل الرسول’

بَعد هجرة المسلمين الى يثرب واستقرارهم فيها، ادركت قريش بأنَّ يثرب غدت قاعدة منيعة وملاذاً للرسول ومن آمن معه، وان أهلها متأهبون لمناصرته على من عاداه وخالفه. وهذا ما جعلهم يخشون هجرة النبي ’الى هناك. لانه لو هاجر الى يثرب فستكون هناك عدّة مخاطر تحيط بقريش، وهي:

1ـ ان المسلمين سيخرجون عن سيطرتهم ونفوذهم؛ وذلك لأن يثرب مدينة مستقلة ولا تملك قريش أية وسيلة للضغط عليها. وهذا يعني أن قريش ستكون في ظل الوضع الجديد غير قادرة على التنبّؤ بمسار الاحداث او التأثير فيها.

2ـ بما ان أهالي يثرب قد بايعوا الرسول بيعة الحرب، فكان من المحتمل ان يستعين بهم ويهجم على مكّة لغرض الانتقام.[3]

3ـ وحتى على فرض عدم نشوب الحرب بينهما، يبقى هناك ثمة خطر بارز يهددهم وهو ان يثرب كانت سوقاً تدر الارباح لتجار قريش، ولو خرجت هذه المدينة من ايديهم فسيلحق بهم ضرر اقتصادي بالغ.

4ـ تقع يثرب الى جوار الطريق التجاري بين مكّة والشام، وباستطاعة المسلمين تهديد هذا الطريق وايجاد خلل في عملهم التجاري.

هذه المخاوف دفعت وجهاء قريش الى ان يدخلوا دار الندوة (وهي دار المداولات والمشاورات وكانت من قبل دار قصي بن كلاب) ويتشاوروا فيها لمعالجة المواقف المستجدّة. وقدّم كل واحد منهم مقترحاً في ما يتعلّق بوضع الرسول وكيفية التعامل معه. فمنهم من قال: انفوه أو احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه باباً. ولكن هذين المقترحين رُفضا لعدّة أسباب. ثم استقر رأيهم على قتل محمد’، الا ان قتله لم يكن عملاً سهلاً، اذ لابد وان بني هاشم سيثأرون لمقتله، وهذا ما دفعهم الى التفكير على نحو آخر وهو ان يأخذوا من كل قبيلة فتىً شاباً ثم يعمدون إليه فيهجمون عليه ليلاً ثم يضربونه ضربة رجل واحد، فانهم ان فعلوا ذلك تفرّق دمه في القبائل كلها ولا يقدر بنو هاشم على الثأر من كل القبائل التي شاركت في قتله. وقرروا الليلة الاولى من ربيع الاول موعداً لتنفيذ هذه الخطّة. وقد ذكر الله عز وجل هذه المؤامرة بالشكل التالي:

{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[4].

هجرة الرسول’

اطلع النبي على مؤامرة دار الندوة عن طريق الوحي، وجاءه الأمر من الله بمغادرة مكّة. فأخبر النبي’علي بن ابي طالب بما عزم عليه وقاله له:>نم على فراشي واتّشح ببردي الحضرمي الأخضر<.وسارع علي الى تنفيذ ما أمره به النبي’.

في تلك الليلة غادر النبي’برفقة ابي بكر متوجهين الى غار ثور في جنوب مكّة (في الاتجاه المعاكس لطريق يثرب) وبقي في الغار ثلاثة ايام حتى تيأس قريش من العثور عليه وتأمن السبل ويتسنّى له عند ذاك مواصلة هجرته الى يثرب. وقد ذكر القرآن الكريم وحدة الرسول’وانعدام الناصر والمعين، وانه لم يكن معه سوى رفيق واحد، ثم ان هذا الرفيق اعتراه الخوف. ورغم ان قريشاً قد جنّدت كل قواها للعثور على النبي، ولكنها بقدرة الله لم تعثر عليه:

{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[5].

التضحية الكبرى

في تلك الليلة نام عليّ على فراش النبي’، وحاصر رجال قريش بسيوفهم دار النبي’. وعند الصباح هجموا على الدار بالسيوف، فقام علي عن الفراش. كانوا حتى تلك اللحظة يظنون ان خطتهم تسير وفقاً لما رسموه لها تماماً. ولكنهم لما رأوا علياً بهتوا وهجموا عليه، ولكنه انتضى سيفه وتصدّى لهم. ولما سألوه: أين محمد؟ قال: لا ادري[6].

كل من يبيت تلك الليلة على فراش النبي كان احتمال بقائه على قيد الحياة ضئيلاً جداً، بل يكاد يبلغ حد الصفر. لكن علياً الذي طالما كان ينام في موضع الرسول في شعب ابي طالب، جعل من نفسه درعاً هذه المرة أيضاً وبرز الى مجابهة الخطر فداءً للرسول’. وقد ذكر الباري تعالى هذه التضحية الكبرى على النحو التالي:

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}[7].

قال: المفسرون والمحدّثون ان هذه الآية نزلت بشأن التضحية الكبرى لعلي×في ليلة المبيت[8].

وقد بيّن علي في كلمة له ـ بعد تسليط الضوء على مؤامرة الاغتيال التي خططت لها قريش ـ حالته في تلك الليلة الخطيرة، بالشكل التالي:

>... فأمرني رسول الله’ ان أضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له مسروراً لنفسي بأن اقتل دونه، فمضى عليه السلام لوجهه واضطجعت في مضجعه وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي صلى الله عليه وآله فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس

يسلموووووووو الموضوع حلو جعله الله في ميزان حسناتك

تم التصويت